jueves, 7 de septiembre de 2017

معتوق أبوراوي الرسام التروبادور


الفنان العراقي قاسم الساعدي



ينتمي معتوق أبوراوي إلى جيل استثنائي , يشبه الى حد كبير طبيعة الارض التي نشأ عليها , فمن عطش صحراء  مستحيلة الارتواء , الى السهول فائقة الخصب  , التي تتمدد على شواطيْ البحر المتوسط .. ومن ما قبل تأريخ , تشهد رسوماته الجدارية والكهفية بدايات , ماتزال بانتظار استكشافها , كي يستطيع التأريخ ان ينفض الرمل عن اصابعه , وليكتب نشيد تلك القارة التي اسمها : ليبيا !
جيل " أبوراوي " متمرد  ...
 يختلف عمن سبقه من الرواد , الذين درسوا الفن في بلدان مختلفة , وعادوا لكي يبدأوا مغامرة الفن .. جيل تكاد ولادته ان تكون قيصرية , لولا , كلية الفنون الجميلة , حديثة التأسيس  , التي وفرت نافذة , لا غنى عنها , لكي يتسرب بعض هواء , لرئات تستطيع , بشهقة واحدة , ان تتنفس العالم كله ..
لم يكن في ليبيا في الوقت الذي فتح فيه جيل معتوق أبوراوي , عيونه , لكي يحقق ذاته فنيا , شيئا مما لدى جيرانه في مصر وتونس من مؤسسات ,  وحينما قدمت للعمل في كلية الفنون تلك , خريف 1988 , لم يكن هنالك في طرابلس ,  حتى كاليري واحد , وليس ثمة  مكتبة وطنية , يمكن ان توفر كتابا فنيا ما .
وفي تجربة الرسوم الجدارية التي خضتها مع طلابي من الجنسين , لتحقيق رسوم جدارية , في مدينة طرابلس , كنت امام اسئلة كثيرة جدا , وعلى مستويات مختلفة , منها : علاقة الفن بالمكان , بالناس , معمار المدينة .. وبشكل خاص تجسير المسافة بين الفنان والجمهور .. ووضع الفنانين الشباب , ابناء البلد وبناته , مقابل جمهور يخوض لاول مرة نقاشا عن الفن , ولانه كان يشاركنا العمل من خلال مصافة مروره , او من خلال معايشته المكانية .
انجزنا العديد من الاعمال الجدارية , في العديد من نواحي المدينة .. وحينما كان لدي في اليوم الاول للعمل بضعة شباب , تزايد العدد لعشرات ومن الجنسين ..
لقد تكررت التجربة في عام 1994 ايضا , وهذا ما اتاح لي معرفة جيدة  بمعتوق : كان بحماسته اللافتة للعمل , يحاول ان يشرب آخر قطرة من هذه التجربة , ان يتمثلها , وان يستخلص منها : اسرارها ,  شجاعة الاكتشاف , الصبر , والافق المفتوح للفنان في مقابلة اسئلة المكان , الوقت والانسان .
فرحت كثيرا حينما اتصل بي هاتفيا , ليخبرني بانه حط اخيرا , ونهائيا ,  في الاندلس , وحينما جاء في زيارة فنية لهولندا , حزنت كثيرا لعدم تمكني من لقاءه , بسبب ارتباطي , حينها بمشروع حوار عمل بين فنانين هولنديين وزملائهم من العرب .
طيلة اكثر من عشرة سنوات , كنت أتابع تطور عمل أبوراوي , إن على مستوى المضامين او الاشكال والمعالجات التي يختارها بوعي , لتحقيق رؤياه , التي تنضج وعلى عدة مستويات .
طائر بجناحين عريضين , يناور بذكاء الافخاخ التي ينصبها النقد , كي يطيح به , ويسقطه في وهم الاسلوب الشخصي , الضيق كحذاء صيني .  حرية الطيران تتيح له تنفس هواء لم يتنفسه الاخرون : نورس من نوع " جوناثان ليفنغستون " الذي اقترحه ريتشارد باخ .

معتوق أبوراوي بمرسم كليه الفنون بجمعه غرناطه
تصوير الفنان الاسباني المعروف باكو بانيوس 2010

كثيرة ومختلفة , هي زوايا النظر التي يلتقط منها , الفنان , شكل الاشياء ومداراتها .. وهو لا يكتفي بحدودها الخارجية او بنوعية المرايا التي تعكس بعضا من جوانبها . انه يدخلنا في زاوية الصوفي , ليخرجنا الى ظل قصيدة او الى حماسة نشيد اممي . من حلم لوردة , الى حسرة حزن لام بجلباب ابيض او اسود .. فنان يقدس حريته , لكنه يعرف ايضا كيف يختار العناصر التي يجمعها , بصبر ودراية , لكي يؤثث بها متحفه الشخصي ..
من مدنه وشواطئه التي عرفها , والتي يحملها , كما حلزون , نحو مدنه الاخرى المتناثرة في العالم ..
ومن لوحة لاخرى , يقترب ابو راوي اكثر من حريته , ومن شقاءه الجميل في انجاز لغته الخاصة .
ماهر في اللعب , لا تتعبه المغامرة , ولا الترحال .
كان الشاعر المتجول " التروبادور " يمنح الاماكن التي يصلها بعضا من نثار روحه .. معتوق يعيد تقطير معنى الوجود , مرة ومرة اخرى , دونما ملل , او اكتفاء بالنتائج .
معتوق يصغي للعالم جيدا , يعقد طرف القصيدة بانتهاءات عطر امراة  , ومن تكسر الموجة عند قدميه , الى انحناء قوس المعمار على ظل الفكرة , و بينما هو على وشك ان يفاجؤنا بجديده , نرفع يد الدهشة عن فم يريد ان يقول شيئا , لكي يغرينا بدخول مغامرة جديدة ..

حسبه انه يجر وراءه تأريخ ليبيا الطويل , وما لا يحد من التوق الانساني الى الجميل ..
حسبه انه في بلاد غويا وبيكاسو..
وانه يعمل كقاطرة ..



قاسم الساعدي
هولندا 2016

.................................
Qassim Alsaedy
- Baghdad 1949
- Studied at: Academy of fine arts, Baghdad 1969-1974
- First solo exhibition:  Baghdad 1974
- Exhibited his art works as solo and group exhibitions in many lands:
Lebanon , Yemen , Syria , Tunis , Libya , UAE , France , Belgium , Italy , Germany , Sweden , Holland
- Exhibited his art works at many museums, art fairs, art festivals , and biennales in many lands.