الفنان السوداني الامين عثمان
عندما
أكمل معتوق دراسته بكلية الفنون ذهب الى إسبانيا لتلقي دراساته العليا، أسبانيا
البلاد التي خرج منها أجداده ويمموا نحو الشاطئ الغربي للمتوسط يقتاتون حنينهم
وذكرياتهم، يبنون مدنهم ذات الأسوار العالية والعسس الساهرون على أملاك الأمراء
والسلاطين . لم تكن ليبيا إستثناءا من ذلك في الماضي والحاضر.
في السنة
الأخيرة في كلية الفنون جعل معتوق من المدينة العربية الإسلامية على شاطئ المتوسط
مشروعه للرسم، ربما نوستالجيا واسترجاع للتاريخ الذي كُتب بمضاهاة الحاضر
البائس.كانت الأعمال في هيئتها النهائية مقنعة و مبشرة ولكنها لم تكن مشروعا
لمستقبل الرسام.
إلتقيت
معتوق في بداية التسعينيات في القرن المنصرم وهو لا يزال وقتها طالبا بكلية الفنون
والإعلام بجامعة طرابلس
( الفاتح سابقاً).
وبالرغم من الوضع القاتم و الحريات المنتهكة وجو الريبة والارتباك السائد في العلاقات بالرغم من كل ذلك كان هنالك مجموعة من الشباب ينظرون إلى المستقبل من زاوية مفعمة بالأمل و مليئة بالتطلع والإنجاز إلى حياة أرحب وآفاق نحو الفن أوسع.
( الفاتح سابقاً).
وبالرغم من الوضع القاتم و الحريات المنتهكة وجو الريبة والارتباك السائد في العلاقات بالرغم من كل ذلك كان هنالك مجموعة من الشباب ينظرون إلى المستقبل من زاوية مفعمة بالأمل و مليئة بالتطلع والإنجاز إلى حياة أرحب وآفاق نحو الفن أوسع.
من اليمين د. فيروز هزي , د. بشير حموده , أ. الأمين عثمان , والفنان علي العباني
مشروع تخرج الطالب معتوق أبوراوي , كليه الفنون الجميله طرابلس 1992
في ذلك
الوقت كان التوق إلى ليبيا جديدة حلما تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال . ضوء
آخر النفق كان مجموعة الشباب التي تملك
الحلم بثقة عظيمة في المستقبل .
كانت الساحة التشكيلية تذخر بمجموعة من التشكيليين المقتدرين الملهمين للشباب، على قانة، على مصطفى رمضان، على العباني ، بشير حمودة، على الزويك وغيرهم من الذين نالوا تعليما في أكاديميات الفنون الأوربية. ذلك هو السياق الذي تعرفت فيه بمعتوق.كان حينها يمتلك طموحا أكبر من قدراته كطالب مبتدئ ودارس ولكن الأحلام الكبيرة تخلق المنجزين الكبار.
كانت الساحة التشكيلية تذخر بمجموعة من التشكيليين المقتدرين الملهمين للشباب، على قانة، على مصطفى رمضان، على العباني ، بشير حمودة، على الزويك وغيرهم من الذين نالوا تعليما في أكاديميات الفنون الأوربية. ذلك هو السياق الذي تعرفت فيه بمعتوق.كان حينها يمتلك طموحا أكبر من قدراته كطالب مبتدئ ودارس ولكن الأحلام الكبيرة تخلق المنجزين الكبار.
الوسط
الذين كان يعيش فيه معتوق و أقرانه أو بالأحري الوسط الذى انتزعوه من يبن ركام
المسلمات ، السلطة الآحادية ومجتمع القبيلة كان وسطا يعبر عن روح الحداثة و
المعاصرة والتفرد.
كان
هنالك ولاء مطلق لهيمنة تحصي أنفاس الجميع و تننتظر من مبدعي ليبيا ان يستجيبوا
لمسخها وان ينخرطوا في واقعية بائسة لا تمت لفنون العصر بصلة. كانت تلك الفترة
مليئة بالإحباطات، الولاء المطلق لإقتناص المكاسب ، إهدار الحرية الشخصية المفضية
للإبتكار و الإبداع، كان ليلا طويلا مظلما إمتد على طول ساحل الحضارات القديمة
والمدن العتيقة أويا ، لبدة الكبرى وصبراتة.
ليبيا
بتعقيداتها هاجس كبير في مجال الإبداع وسؤال يفضى الى الحيرة والإرتباك. معتوق إبن
ليبيا و إبن إحدى مدنها الساحلية
الصغيرة -القره بوللى - الحقل الأخضر والتى عبر
ساحلها قد تم السطو على معظم آثار ليبيا
ذهبت مرة
قبل المساء إلى مدينته الساحلية وبرفقة
مجموعة من أصدقائه. أقمنا بمنزل صخري صغير يشرف على منحنى الشاطئ الذي يشكل نصف
دائرة، إلتقينا ببعض من عائلته الممتدة ونلنا كثيرا من كرمهم و ترحابهم ولكن برغم
ذلك كان المكان أكثر إثارة وجاذبية. فها هو
معتوق يعيش في طبيعة موحية ويستطيع الإنسان المبدع أن يستمد منها الكثير.
المساء ، البحر والفلاحين على مقربة من الأمواج و هديرها المستمر. الإنسان إبن
مدينته ولها تأثير مواز للعائلة ، الأم و العشيرة والقره بوللي هي بوابة معتوق إلى
ليبيا.

كانت
إسبانيا أرض العرب الضائغة مدعاة للبحث والتساؤل و التأمل. ما تبقى فيها من قباب و
زخارف وخطوط على الجدران، مايشاهد من
ملامح أهلها وسحناتهم ، ما يسمع من أصوات وكلمات و أسماء إختلت تراكيبها و
مدلولاتها بفعل الزمن ، ما يحمل ملامح بغداد والبصرة ودمشق وحلب.
للرسام
إسبانيا هي بلاد قويا ، فلاسكيز ، القريكو
، ، دالي و بيكاسو. هي ما وهبت للإنسانية
لوركا ورقصة الفلامنكو بنسخها المتعددة كما صورها كارلوس ساورا وعمارة قاودي
الأسطورية إسبانيا هي في القلب كما كتب بابلو نيرودا. المسافة بين طرابلس و مدريد
يسلكها الفرد عبر التاريخ .. الخيبات ..الحسرة .. الجسارة بين مقاومة الطليان و
مواجهة الديكتاتورية. إسبانيا هي مزيج من الماضي والحاضر.

لم نلتق على مدار سنوات عديدة ولكن ثمة خواطر وذكري بيننا كانت أقوي
من النسيان. شاهدت أعماله في إسبانيا وتبدي لي أكثر نضوجا وثقة. فهنالك جرأة
وأستسهال لمكونات الصورة دون عناء وتفكير متقعر وهنالك أيضا مستوى من التجريب وتطويع
الخامة و التلقائية.
في جامعة غرناطة قدم بحثا لنيل درجة الدكتوراة عن رسومات كهوف تاسيلي
في صحراء ليبيا ويبدو إن هذا البحث صارا
فتحا ومبحثا بصريا جديدا حيث تأثرت أعماله
اللاحقة بتلك الرسومات وخاصة في تلقائية حركة الإنسان والحيوان حيث لا نبات يذكر
وربما نشاهد تأثير البيئة اللونية من درجات البني والأحمر والأصفر الترابي في معظم
اللوحات. إن رسومات كهوف تاسيلي المتأثرة بتقلبات الطبيعة منذ آلاف السنوات تعتبر
مصدرا جيدا للفنان الباحث عن المصادر البصرية التي تشكل إضافة معتبرة لأعماله.
إن الإنحياز للقضايا الإنسانية ومناصرة المستضعفين لا تصنع عملا فنيا
جيدا. الذي يصنع العمل الجيد هو قدرة الرسام علي منح هذا الانحياز والمناصرة بعدا
جماليا محكوما بعناصر التكوين وسماتها الإستاطيقية من إيقاع وهارموني وتوازن بمعني
آخر أن يخلق عملا مرئيا له بنية رمزية قابلة للتأويل البصري في سياق زمان ما ، و
مكان ما وحدث ما. ( وآذكر هنا لوحة الإعدام لفرانشيسكو دي قويا 1808م و مقتل شاعر عرس
الدم فيديريكو لوركا 1936م)
معتوق إبن زمانه يعبر من القربوللي الى أويا ثم الى غرناطة ويبحث في
ساحل المتوسط عم ما يمت إلى الفن بصلة.
.....................................................
الفنان السوداني الامين عثمان
2017 الخرطوم