sábado, 2 de septiembre de 2017

غرناطة تقضي يومها على شاطئ القره بوللي

 

معتوق أبوراوي ببحر القره بوللي 2016 تصوير الفنان غبد الرزاق الرياني


ماذا يمكن لليومي أن يكون في حياة الرسام؟

نستطيع القول أيضا: ماذا يمكن لحياة الرسام أن تكون في يومه؟

على مدي سنوات كانت الحياة للفنان معتوق أبو راوي  تقترب وتبتعد من كينونة قلقة، جريئة تأخذ مكانها الدائم على هامش اللوحة.  هذا الهامش يتكئ على خصيصة سهلة وبالغة الصعوبة في ذات الوقت: الارتجال!

أن تسابق اليومي والعابر والمهمّش والصغير والخبر والسياسي والصوفي والمتهتك والأصولي على مدار اليقظة في النهار والليل، لعمري أمر لا يقدر عليه إلا القوي المتين العالم بتفاصيل التشكيل.

معتوق أبوراوي، وضع بوعي لنفسه مساراتها التي تبدأ بالخط يميل معه حيث يميل، وباللون في تفجّراته الكونية والحلمية، لا يهم أغلق عيني قلبه أم تركهما مفتوحتين على هوّ أو على يمّ أو على فراغ لا يُحدّ!

حيثما حطّ به الزمان، قدماه تأخذانه إلى ذات البقعة من الخلود، إلى ذات البحيرة من النشوة، إلى ذات الأرض المكلومة حيناً المتباهية الحيية الخليعة أحيانا. 

رسم يومياته في غرناطة بشفاه الأطفال في القره بوللي، ورشرش عليها تنهدات العجائز الساكنات

بيوت القرية الطينية وهنّ يسقطن مع حبّات السبحة، أخبار الذين مرّوا من التحنو والمشواش والليبو.

لم تكن غرناطة لوركا ولا فلامينكو الغجر المتصوفة، بل رجْع أصداء أغاني أكاكوس وضحكات تاسيلي وتيبيستي.  زفيف الريح تضرب هشاشة اللوز في الخمس ومسلاتة وترهونة.

لم تكن غرناطة أكثر من استلقاء الرسام على رمال بحر القره بوللي.

بحر القره بوللي تصوير الاستاد طارق الرويمض 2016


لم تكن غرناطة بعيدة عن القره بوللي التي حمّلها الكثير من يومياته.  الذئاب تركض لاهثة بينهما

مثلما يركض المهاجر الأفريقي بين ساحليْ المتوسط، مثلما يركض الموت بين ساحليْ المتوسط، مثلما تمدّ العجول المتحفّزة أعناقها للمدى المكورّ والأفق المسوّر بالأحلام المحبطة، مثلما ترتعش يداه على جبين طرابلس يجمع ضاحكّا غيمات صوف عابرة فوق سمائها، لا يريدها أن تلحظ وقته هناك تحت قوس ماركوس أوريليوس أو في جنان النوار، فقط أن يُسمعها خفق َأجنحة الطيور، خبط أخفاف الإبل، فقط أن يضع على عنقها لحن أغنيته القديمة.

معتوق أبوراوي رسّام مهم وأحد أعمدة التشكيل الليبي المعاصر، التشكيل المثقّف، التشكيل الذي يبني عالميته  بخيوط الكليم وزهو الوشم الضارب في جسد ليبيا. معتوق ابوراوي، يبني محليته بالتفتح على الآخر القريب والآخر البعيد، يغرف ما شاء له من الحداثة ويدلق في نهرها حديثه اليومي الأخّاذ.

......................................................................

 عاشور الطويبي

النرويج 2016 

عاشور الطويبي، مواليد طرابلس، ليبيا، 1952. طبيب، شاعر ومترجم. أصدر 9 كتب شعرية، وخمسة كتب ترجمة.