viernes, 1 de septiembre de 2017

معتوق أبوراوي "موتى دون أكفان "

الفنان التونسي نور الدين الهاني ومعتوق أبوراوي " المنستير 2011"
أشكاله ترقص، ألوانه تغني، لمساته تسبح في مساحات عائمة أو ترتع في أودية جارفة أو في تلال ظمآنة، خطوطه تشكل متاهات تلتوي ثناياها لتنظم تركيبات لولبية أو حلزونية، في مناخات مضيئة أو داكنة. سطح الورق يتشرب  ماء عذبا يتلون شفافا و ينساب سيلا و ربما فاض بحرا من الأمواج اللونية المعتمة أو الفاقعة أو الناصعة و من الخطوط الغاضبة أو المزهوة أو المطموسة.

طاقته التعبيرية تكتسح فضاءات بكرا وتعصف وابلا من الشظايا المضيئة فتسقط الشخوص المثقلين بأوزار الحياة الدنيا والشخوص ذوي البطون المملوؤة والشخوص ذوي الأمعاء الخاوية والشخوص ذوي الأخاديد المتشققة والشخوص ذوي الفرائص المرتعدة والكائنات العجيبة أو أشلاء الكائنات... في جنان ملؤها الصخب. أجسام  تراقص الشهب والأشجار و الزهور و النعناع و شقائق النعمان و القطط  و السباع و الذئاب و الخيل و البغال و الحمير و الثيران و الأسماك و خيوط العنكبوت...  و قوارب الموت.







و تنفلت الجاذبية الأرضية  لتتعالى الأجسام الإنسية  و تتهافت الأجساد الحيوانية و تتكاثف العناصر الطبيعية و تمرح الأغراض فوق روابي سرمدية و في حقول رمادية و شبه وردية وفي فيافي فضية و في بحار خضراء أو حمراء أو في بقاع  شيبهة بالبحار الصفراء أو في لجج الظلمة أو في فلك المستنقعات  أو في مرايا محترقة.




شطحاته المشحونة بمخزون ضارب في الإرث العميق تكتب وجوها متكلسة و وجوها كالحة و وجوها منهزمة و وجوها مشوهة و وجوها حالمة، أصابها العشق أو الأرق أو التيه.
لطخاته المنفوثة تنتفض في ضجيج اليم العميق... لتطفو بقدرتها قوارب الفقر، المجدوفة بمجاديف متهالكة... يتخبط فيها المقهورون والمقهورات والكادحون و الكادحات والبائسون والبائسات واليائسون واليائسات… والموتى دون كفن...

خربشاته السريعة ترسم عيونا عصية الدمع وعيونا شريرة، حركاته الرشيقة  تثبت سحابا رقراقا و زواحف لا تعترف بحدود المساحة الورقية…



ذكريات ترف يوميا و ينمحي بعضها والبعض توزع على ورقات الدفتر الرفيق، في مسارب مترامية عبر حفنة من الألوان و العلامات و الرموز و الدلالات والاستعارات . و كأن الرسام ينصب كمينا لما تستحضره الذاكرة البصرية فيثبت البؤس و الصراخ  بما تيسر من أدوات الفعل التشكيلي فتطير الأسماك وتسبح الجبال و تهاجر الجموع... و تتجلى الصور في حالاتها الغرائبية، تعانق الأساطير و الأزمنة البعيدة.
هو راو عنيد، يروي حكايات الطوفان تتلوها حكايات السماوات، دون كلل، حكايات اليوم الأغبر وحكايات اليوم الوردي وحكايات الضباب وحكايات الخراب وحكايات الألم...
وهو شاعر مشاكس، تتفجر خباياه إيقاعات و شجونا و ترانيما وتنصاع لشهوته كل التفاصيل الضوئية و كل اللوينات الممجوجة وكل اللمسات المرتجفة.
وهو متمرد على القوالب الجاهزة، ساخر من براثم الثوابت ومتورط إلى حد النخاع في مشاغل الفن التشكيلي المعاصر.
وهو مهموم بأوضاع الأوطان العربية ومنخرط في دائرة الأسئلة الدائمة حول القضايا الإنسانية الراهنة.
رسوماته عنف جمالي تتوالد منه المعاني والتأملات... يتصفحها معتوق أبوراوي بهدوء العاشق وبابتسامة الطفل عند لقائي معه بالمنستير ثم بسوسة في السنوات الأخيرة. ونعم التلاقي في ربوعنا و مزيد التآنس عبر شبكة التواصل الافتراضي.



نورالدين الهاني
المنستير في 18 أوت  2016