viernes, 1 de septiembre de 2017

بين الفن والعلاقات الإنسانية


بين الفن والعلاقات الإنسانية



"تافسويت تارابت"
بقلم / سناء سليمان المنصوري

لازلت أرى تلك الأيام وأشعر بها وكأنها كانت بالأمس , أشتم رائحة غبار الجبس الممزوج
بالطين المبلل , في تلك الباحة التي يتمركز فيها المنحت وتتمركز فيها كل ما كان يسعدني ..كانت غرفة متواضعة تتوسطها قاعدة طويلة تشبه الطاولة مصنوعة من خشب خام غير مصقول , ومع ذلك كان بمثابة المتحف بالنسبة للمجموعة ..كان معتوق يعمل على تلك الطاولة وكتلات الطين تُحيطه , عندما دخلت يوما ورأيته هناك , كانت الابتسامة تطفو عيناه كعادته وملامح وجهه اللطيفة ...ترغمك مبادلته الابتسامة.
الزميل والصديق العزيز معتوق منحني مساحة ثمينة في كتابه الرائع الذي سيصدر قريبا , وأنا سأكون أمينة جدا داخل هذه الأسطر, وأحب أن أكون صريحة لأنه لا يمكن إلا ان أكون كذلك , عندما أتحدث عن معتوق أبوراوي..
....تفاجأت كثيرا عندما رأيته داخل المنحت يضرب على مجسمات لم تكن كثيرة الوضوح في البداية, والتي بدأت تتضح في حركاتها وتطورها التي تجسدت بقوة في حركات دقيقة ..والذي أدهشني في عمله السرعة في إنتاج أكثر من عمل في أوقات قصيرة دون ان يؤثر في قوة تعابيرها و لأنني لم أشاهده من قبل يمارس النحت بالرغم من تواجده حولنا كطلبة نحت مع أستاذنا المميز حسام عقيقي, أحسست ذلك اليوم بالسعادة لظهور طاقة جديدة مختلفة تماما عنا جميعا قوية في حضورها .. أتذكر جيدا حين كنت أمر من امامه متوجهة نحو حسام الأستاذ المشرف على أعمال معتوق في تلك الفترة ورأني ابتسم بدهشة فقال لي الأستاذ حسام " هل رايتي معتوق " كان سؤاله مصحوب بحماسه 
!!   تلك النبرة العاطفية التي تخرج بين قهقهات الأستاذ حسام عندما يكتشف شيئا مُثيرا 


1993 الاستاد الفنان العراقي حسام العقيقي ومعتوق أبوراوي

كان معتوق الشخصية المرحة المحبوبة لدى الجميع من أصدقاءنا الدين يعرفونه .. نفسيته تبعت الإبتسامة داخلي حتى في أحرج الأوقات, وماأكثرها كانت بالنسبة لي في تلك الفترة, كان بإمكان أي شخص التحذث إليه بإرتياح ..كنت في أوج شبابي مقدمة على الحياة , وتعرفت على المجموعة البارزة في كلية الفنون بمنطقة قرجي بالعاصمة طرابلس في بلدي الحبيب ليبيا وعشقت ذلك الزمن الذي لن يعود أبدا ..
أذكر جيدا ان الفترة التي ظهر فيها معتوق الفنان أو النحات داخل كلية الفنون كانت قصيرة جدا ففي أقل من سنة كان له معرضا رائعا داخل باحة الكلية , نال إعجاب الجميع.. طلبة وأعضاء هيئة تدريس ..
وكان أخر حوار قد دار بيني وبين معتوق عندما قاربت الفترة الزمنية التي قضيتها في الكلية على الإنتهاء..كان معتوق 
وكالعادة يشعر بالأخرين عندما تعتري الأحزان قلوبهم

..
ثم إنقطعت عن أخبار الأصدقاء ومنهم الزميل معتوق لمدة 16 عاما بعد أن إنتقلت للزواج والدراسة في المملكة المتحدة البريطانية ..في عام 1993'1992-
لاأدري مدى إمتناني لشبكات الإنترنت التي منحتني فرصة التواصل مع زملاء الدراسة ..ولكني كنت مبتهجة جدا حين إلتقينا على صفحات الفيس بوك
وكعادته ..معتوق يُفاجئني ويدهشني تماما كما فعل بعد20 عاما مضت، بأعماله التصويرية الرائعة , وبلونه الخاص الدي لايمكن أن يوصلك بأي فنان أخر عدا معتوق أبوراوي , بنفس الطاقة والقوة ..تابعت نشاطاته في أسبانيا وتواصله مع الناس ومع زملاءه الجدد في حياته الجديدة بنفس الروح ونفس القوة , وكنت سعيدة من أجله كثيرا وبعث الأمل في نفسي أن أراه حقق النجاح في مجال الفن والرسم ...
في هذه الحياة نمر بكثير من المنعطفات والكثير من الخيبات التي تجعلك تبني إستنتاجات قد تكون سلبية جدا, وفجأة تكتشف تجربة أخرى تُغير لك كل 
إستنتاجاتك , ومعتوق أحد هذه المعايير التي تغير إستنتاجات الكثير من الناس


عمل نحتي للفنان الليبي  محمد دخيل 1993      


الذين قد ييأسون أو يعترى الحزن ملامح حياتها .. لم يكن معتوق مساندا في فترة الدراسة فقط.. بل إمتد عطاءه سنوات بعد ذلك ..فبعد ثورات الشعوب , والتي يطلق عليها أصحاب السياسة السادية بثورة الربيع العربي , بالرغم من أن من بدأ الثورة تونس صاحبة ثورة الياسمين في شمال أفريقيا أصلها المتجدر بها أمازيغي وسكانها الأصليون امازيغ ..وتلتها مصر والتي أيضا يقنتها الأمازيغ في سيوة بأكملها ونسبة كبيرة في الأسكندرية , ثم ليبيا والتي يأتي إسمها من قبيلة الليبيو الأمازيغية, وكل شيء فيها يقول أنها أمازيغية , في حروفها في عاداتها في لهجاتها وثقافتها وأسماء مدنها وقبائلها ..وبالرغم من أن سوريا بشعبها المختلط بنسبة كبيرة بين أتراك الأصل وأكراد ... يبقى من يريد أن يسيطر ويتحكم في الشعوب يحاول زرع أفكاره بينها ليسهل عليه الوصول إلى غايته ..وتبقى الشعوب هي المتأمر عليها ..
تحولت المرحلة بسرعة وإنقلبت رأسا على عقب في جميع محاورها ..إلا محور واحد , وهو الجانب الإنساني الدي يربطنا , الجانب الذي يجعل من معتوق أبوراوي شخصية خاصة متميزة .. تحاورنا في فترة الثورة وتابعت أعماله التي كان واضح بها تأثر الفنان معتوق بما كان يجري على أرض الوطن .. والحزن على شباب ليبيا الذين نال منهم القذافي فقط لأنهم أرادوا الحرية في التعبير..كان معتوق مساندا لكل ماهو إنساني , متعاطفا مع الجميع بألسنتهم المختلفة وألوانهم المختلفة ..وكان يبهجني بكلماته الطيبة حين أواجه الرياح العاصفة ممن كانوا يحاربونني ويحاربون قضيتي .. كنت أشعر وكأنه المتفهم الوحيد في بلدي ..كنت أتساءل دائما " مالذي يجعل من الفنان الحقيقي فنانا رساما كان ام نحاتا , هل يجب أن يمتلك كل البشر ذلك الدواء السري ليتحولوا إلى مخلوقات مفعمة بالحس الإنساني ..تكترث 
للعلاقات الإنسانية أولا ً؟


التقيت أخيرا بالزميل الفنان المتميز, بالنسبة لي , معتوق أبوراوي , في الألفية لمدينة غرناطة في اسبانيا التي أسسها سلالة الأمازيغية Ziride
لم يتغير فيه شيئا عدا النجاح الذي حققه وبعض الملامح التي تدل على السنوات التي مرت بنا ..كنت ولازلت فخورة بمعتوق الإنسان كزميل .. واليوم إنا أكثر فخرا به وبنفسي , به لأنه حقق نجاحات كنت أحلم أنا وجميع زملاءه بتحقيقها ,  

ونفسي لأنني رافقت مراحل حياته الفنية وتتطور وعرفته كإنسان كصديق وكفنان.