jueves, 28 de septiembre de 2017

معتوق أبوراوي ..يفتح بؤرة زمن ليسرد سيرة المعرفة بالمتوسط ويرثي غرقى الحاضر بين ضفتيه




الكاتب الصحفي الليبي زكريا العنقودي



بغرناطة كان الموعد فقدم الفنان ( معتوق البوراوي ) معرضه الأخير الذي جعل من الحالة الإنسانية للمفقوديين بين ضفتي المتوسط موضوعه لذا كان )تابين المفقودين ) عنوانه .


غرناطة كانت الموعد واقواسها الأندلسية كانت المكان لهذا أحست لوحات معتوق بالإنتماء ولم تشعر بغربتها فبادلها الأخر( المثمثل في الحضور باطيافه المختلفة بمن فيهم من الاوربيين والاسبان بخصوصية اكبر ) هذا الشعور وهذا البعد التاريخي الرباعي الأبعاد والذي عملت أعمال معتوق في زيادة تاصيله .







البحر كان الخلفية اللازمة في لوحات المعرض .
.في حين أختلف سرد الزوارق ( وهنا الإختلاف عن مشابهها من أعمال تشاركت معه في صياغة نفس الالم ) لا أدري لما شعرت وانا اطلع عليها وقد تابعتها على الفضاء الالكتروني أو من خلال المجموعة وبحجمها الطبيعي والتي ارسلها إليّ فناننا (زد على ذلك كوني كنت قريبا جدا لأغلب مشاركاته المحلية ) إن سرد الزوارق كان تاريخيا بامتياز فهي لم يغب عنها شكلها الفنيقي والذي يفتح للمتابع بؤرة للعودة بالزمن حيث كانت الزوارق زمن الفينيقيين وسيلة لتبادل المعرفة بالتالي لتوسع النشاط التجاري بين كل شعوب المتوسط ( لقداثبتث اغلب كتب التاريخ بأن الفينيقيين لم يكونوا يوما شعوبا استعمارية ) لذا كان العمل على اللحمة بين كل شعوب المتوسط هوالهم الرئيس لهولاء الرواد الأوائل لعباب هذا البحر.. وبالعودة للزوارق نجدها قوارب مشروخة تماما كما في قصة الخضر وسيدنا موسى عليه السلام حين خاف على السفينة من المصادرة فشرخها وهذا ما أكدته أغلب الكتب السماوية في حين أكد المؤرخين أن الرومان حين اكتشفوا أن سر عدم هيمنتهم ع المتوسط كان يكمن في الأعجاز الفينيقي في بناء السفن تؤكد الروايات التاريخية هاهنا إن الرومان استولوا على قارب فينيقي وبنوا على غراره أسطول بفضله وبعد خسارة حنبعل غيروا جغرافيا المتوسط ليحل مفهوم السيطرة بالعسكر علي حوض (البحر الأبيض المتوسط) محل مفهوم السيطرة بالمعرفة والتواصل والذي كان يقوده تجار وبحارة الفينيقيين ..


أعود هاهنا أيضا للزوارق التي ظهرت أحيانا فنيقية ومشروخة وانتهي بها الحال في أغلب الأعمال إلى شبه قوارب بل ووصل الامر بها في ذروة الاعمال الى مجرد اطواف نجاة ( مستحيلة ) تتلاطمها أمواج المتوسط وسرعان ما تجعلها أكفان للمهاجرين وما تزودوا به من أحلام. هاهنا يقفل معتوق بؤرة الزمن تلك لكنه استمر بنا في نفس المكان ولكن في زمننا الحاضر .
الأجساد والتي يمثلها الإنسان على قوارب معتوق هي جنوبية بامتياز سمرتها تؤكد هذا بل اللوحات تذهب أبعد من هذا فتؤكد أصلها الفينيقي ( لكنها هذه المرة في زمن ليس بزمنها) .. عري صدورها وأعناقها العالية وهي تنظر إلي العاتيات من الأمواج بحثا عن أفق المعرفة وبدون رهبة أو خوف تؤكد هذا فهي أعناق لأجساد ينعشها الأمل وتدفع بها أحلامها بمستقبل أفضل هناك على الضفة الاخرى حيث الخبز والحرية والقليل من الحياة التي تستحق ان تنبض قلوبهم من أجلها هناك حيث المعرفة التي تركها الأسلاف .
هكذا يروي معتوق بالوانه الحكاية مداده المعرفة ايضا هو يضيف على كل هذا بعضا من شقاوته ليكتمل المراد وتصل الرسالة فيثير فينا شغبا فغرق هولاء يعني غرق الفن والثقافة وكل ماتهدف اليه المعرفة أي غرق الانسانية بكل أهدافها النبيلة .
هذا محور الفكرة التي اراد ( البوراوي ) إيصالها للعالم تحت أبراج الاندلس وتحت أقواسغرناطة وكأني بمعتوق بمعلقاته هذه يوجه رسالة إلى الإنسانية لتنقد نفسها من الغرق خاصة بعد أن تغيرشكل الجغرافيا القديم ولم تعد سوى خرائط على الورق يستعملها الساسة لتأكيد مبداء الحدود التي يتلهون بها لأشعال بعض الحروب التي من ضمن ضحاياها غرقى المتوسط أيضا صارت الجغرافيا ( وهذا من حميدها ) مواد خام لعلماء الجيولوجيا ومن يتبعهم بالمقابل هاهي افاق التقنية ووسائلها تاخد مكانها كبديل افضل لهذه الجغرافيا ووسائلها الحديثة ( اقمار صناعية فضائيات هواتف انترنت الخ الخ ) أخدت مكانها بجدارة كبديل لتلك السفن التي أدمانا معتوق بالسرد التشكيلي لحكايا مفقوديها .. باختصار بقدر ما يضغط معتوق على جراحنا بلوحاته هو يقدم لنا من خلال (المخفي بين الوانها ) بديل يدعونا من خلاله لأنقاد أنفسنا وذلك عبر رسالة تنص على عودنا للسيرة الأولى سيرة التواصل بين شعوب العالم بالمعرفة بالتجارة بالفن والثقافة بين شعوب المتوسط على الأقل ( لربما وصلنا بالانسانية يوما لعالم كامل بضفة واحدة ) لتعود السيرة التي بدائها اجدادئه الفينيقيين والتي صار بالتقنية بالأمكان إدراكها واستيعابها بل ووضع الحلول من خلالها وبشكل افضل هذه المرة ( فالعقود التي قضاها الفنيقيون لنشر المعرفة صار ممكننا تحقيقها الأن بضغط زر واحد ) بدلا عن الاف الضحايا البشرية التي يلتهمها المتوسط كل يوم والذي كان ذات تاريخ مشعلا لحضارة صنعتها اللحمة المشتركة وتبادل التجارة والعلوم بين ضفتيه وذلك فقط عبر نسيج رسمت المعرفة ملامحه ورددت موسيقاه الاشرعة والريح .


.............................................
زكريا العنقودي
2012 طرابلس