السفير الشاعر محمد الفقيه صالح و معتوق أبوراوي
شارع البرادو مدريد 2015
لم يشأ
الفنان "معتوق أبو راوي " أن يبقى بمنآى عن الزلزال الذي هز عدداً من
الدول العربية ومنها بلاده ليبيا، فيما عرف "بثورات الربيع العربي".
تعمد أن يسجل بريشة الفنان شهادته الانطباعية والتعبيرية عن هذا الحدث التاريخي،
وأن يقول باللون والتكوين ما لا سبيل إلى قوله بالكلمات.

الرؤية
التي تنطوي عليها هذه الرسوم إذن لا تشي بفرح أو غبطة، بل هي أدنى إلى الرؤية
الكابوسية. تقدم انطباعا عن اللحظة الراهنة، ولا تتجاسر على استشراف أفق مضيء.
كأنها تنتظر ما سوف ينشق عنه الغد. حزينة دامية هي. يشوبها قلق ووجوم قاتم قاس.
واضح أنها جاءت بعد أن انتهت السكرة واستيقظت الفكرة، أي أنها لم تنصرف إلى رصد
حماسة الخروج على السلطة الدكتاتورية الغاشمة وفرحة
الانتصار عليها، بل آثرت أن ترصد البرهة التالية، برهة ما بعد الحماس والتهليل،
برهة الذات التي تجد نفسها عارية في مهب المصائر، بعد أن احتلت الجروح والندوب
والدمامل معظم مساحات الجسد.
اختار
الفنان إذن أن يرصد وجع التحول ونزيفه. انحاز إلى الألم لا إلى الحلم. فضل أن
يتنكب مواكب الهاتفين المهللين، وأن يلتفت إلى المطعونين والمغدورين والحزانى.
ليكن السبب الباعث على هذا الحزن والوجع ما يكون، أثراً جانبياً سلبياً للثورة
نفسها، التي لا تلبث أن تأكل أبناءها، أم تمظهرا للثورة المضادة، التي تسعى إلى
اغتيال الفرح في حياة البسطاء، وبث روح اليأس والإحباط في نفوسهم.
أياًيكن
الأمر، فهذه الشهادة التشكيلية المعبرة تدعونا إلى أن نقف حيال أنفسنا، وحيال ما
يجري أمامنا، بصدق وتجرد وشفافية، ودون أية أوهام أو تعلات. وفي كل الأحوال، علينا
دائماً أن ننصت بعمق لرهافة وجدانات الفنانين، وفيض مشاعرهم النبيلة الصادقة، فهم
حراس الحياة والحقيقة والحرية، وعلينا ألا ننسى أبدا أنهم شركاء فاعلون في
المرحلة، وشهود عليها، في الآن نفسه.
.................
بقلم محمد الفقيه صالح
شاعر ليبي معاصر وسفير ليبيا بمدريد 2014